الانتخابات الكوردية وما ادراك ما الانتخابات
في عام 1991 قام حركة شعبية عارمة ضد النظام البعثي الدكتاتوري الحاكم بالتزامن مع الهجوم الامريكي ضد الاحتلال العراقي للكويت بهدف طرد الجيش العراقي منها . هذه الحركة عمت اغلب المناطق التي تشكل الدولة العراقية ومن ضمنها كوردستان العراق والذي يسمى في الادبيات القومية العربية شمال العراق او خط 36 بعد حرب الخلبج الاولى او منطقة الحكم الذاتي حسب تعبير الحكومة العراقية السابقة والذي افرزته اتفاية الجزائر واتفاقية 11 اذار .
الانتفاضة الجماهيرية في كوردستان افرز واقعة تاريخية مثيرة لم يحلم به الاكراد ابداً (ولكنهم تمنوها !) وهي خروج الادارة الحكومية بكل مفاصله والياته وموؤسساته وورموزه وووووو باختصار النظام الحاكم اخلى المنطقة الكوردية ولاول مرة في التاريخ الحديث من كل ما يمثلها كدولة هناك.
هذا الفراغ السياسي والقانوني والموؤسساتي والدستوري افرز وضعاً شاذاً ولكن تاريخياً ايضاً لاول مرة الاكراد امام وضع حاربوا وثاروا من اجلها لعقود، لقد ضحوا بالكثير من اجل هذه اللحظة التاريخية مما حدى بهم إلى تنظيم انتخابات محلية لتشكيل برلمان وحكومة في المنطفة المحررة من النظام الحاكم. ونظمت الأنتخابات في عام 1992 وأسفرت عن فوز (و اي فوز!!!!!!!!!!!!!!)!!!!الحزبين الرئيسيين (الحزبان الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني) 50/50 وتشكيل حكومة عاجزة عن تسيير الأمور حيث تقاسم الحزبان الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني) مقاعد البرلمان و الحقائب الوزارية مناصفة وإتفقوا على ترتيب أدى فيما بعد إلى شل حركة الحكومة والبرلمان حيث كان للوزير ونائب الوزير واللذان كانا تابعين احدهما لبارتي والثاني للطالباني نفس مستوى الصلاحيات وتدريجياً أدت الخلافات حول التحكم بالمصدر الرئيسي لاقتصاد الإقليم والذي كان نقطة كمرك إبراهيم الخليل في محافظة دهوك إلى نشوب حرباً دموية بين الحزبين في عام 1994، هذه القتال افرز انقسام الحكومة و البرلمان في الأقليم إلى جزئين حيث شكل الاتحاد الوطني الكردستاني حكومة و برلماناً خاصاً به إتخذت من محافظة السليمانية عاصمة لها وشكل الحزب الديمقراطي الكردستاني من جهة أخرى حكومة وبرلماناً خاصاً به وإتخذ من محافظة أربيل عاصمة لها. هذا الاوضاع استمر لحقبة من الزمن..والذي في احدى مراحله دخل النظام الحاكم في بغداد طرفاً فيها وقوفه بجانب هذا الطرف او ذاك !!،وبعد عام 2003 عام الحرب الخليج الثالثة طوى الحزب الديمقراطي الكردستاني و الاتحاد الوطني الكردستاني خلافاتهما كلياً ليشكلا زعامة مشتركة وشارك الحزبان في جميع التغييرات السياسية التي شهدتها الساحة العراقية بدءاً من مرحلة بريميير و مجلس الحكم في العراق والحكومة العراقية المؤقتة إلى الانتخابات العراقية والحكومة العراقية الانتقالية وحكومة المالكي الحالية .
واليوم وبعد مرور 17 عاماً على الانتخابات البرلمانية الاولى والذي انتهى كانتخابات الصدامية 99% مناصفتاً بين الحزبين الرئيسيين نرى مرحلة جديجة كل الجدة عن سابقتها واوضاع مختلفة كل الاختلاف عن سابقتها
خلال هذه ال17 عاماً حدث الهرج الكثير والتغيرات الكثيرة بدأ بالسرقة والنهب العلني وانتشار ظاهرة الارتشاء والوساطة والمحسوبية ووالى اخره اكن هناك تطورات ايجابية ايضاً فكوردستان العراق منطقة مختلفة تماماً حضرياً اجتماعياً سياسياً فكرياً والتغيرات الذي حصلت خلال هذه الاعوام ال17 هي تغيرات لم يشهدها المنطقة منذ الاحتلال العثماني فالعمران والنهضة المدنية والتطور الثقافي للمنطقة ، الذي كان لمدة قريبة كانت تشهد اشد ظاهرات التخلف والجهل الاجتماعي والثقافي في المنطقة ولكن الاكراد اظهروا حنكة وذكاءً لم بتصوره حتى القريبيين منهم ان يظهروا بهذا الشكل . ولكن المحسوبية السياسية والانقسام العميق الذي افرزه صراع الحزبين للاستحواذ على الموارد المالية للمنطقة واستغلاله لمنفعتهم الحزبية الضبقة ادت الى حجب هذه المكتسبات ، ولكن من جهة اخرى كل هذه الايجابيات والسلبيات كان افرازاً للحرب الداخلية بين الحزبين فلولا هذه الاقتتال الداخلي والفرز المناطقي لم وجدنا اي تطور ايجابي بل لقد كان حالة المناصفة بين الحزبين اوصل الامور الى التعفن والحل الوحيد كان في ظل الاجواء السياسية الذي كان مسيطراً حينها هو الاقتتال وفرز الاراضي وقمة التطور والتغيير الايجابي حصل كان في مرحلة الدولتين او الاقليمين او البرلمانباً فالمنافسة كان طابع هذه المرحلة وكل جهة كانت تريد ان تظهر نفسها كزعيم شعبي وتاريخي وكلا الحكومتين (الطالباني والبارزاني)كانت تحاولان بكل جهد وطاقة وطرق (شريفة او غير شريفة )بجذب الجماهير من منطقة الخصم وهكذا بداء زمن المشاريع (والذي قسمُ منها كانت وهمية وقسم منها تعرض للسلب والنهب ) ، بعد عام 2003 وسقوط الحكومة البعثية ومجيء الجيش الامريكي دخل المنطقة في مرحلة اخرى وبعد انتخابات الدولة العراقية الاخيرة ومجيء المالكي بداء مرحلة اخرى .
والان الانتخابات الحالية تاخذ منحاً اخر وشكلاً اخر ،
- فليس هناك خط 37 ولا المظلة الامريكية
- وجود حكومة عراقية منتخبة وشرعية
- انتفاء الحاجة الامريكية للاكراد بصورة عامة والزعامة الحالية بصورة خاصة
- ظهور المسالة الكوردية كعبء ثقيل على الادارة الحالية للولايات المتحدة الامريكية ، بمحيء الديمقراطيين للحكم
- ضغوط اميركية ودولية على القيادة الكوردية لوضع حد لظاهرة الفساد والمحسوبية والواسطة
- تعثر العلاقات بين الحكومة المركزية والاقليمية
- تراكم الاضطرابات السياسية بين الحكومة العراقية والحكومة الكوردية الاقليمية
- تضارب مصالح المركز مع الاقليم
- عدم حل اوضاع كركوك والسنجار وخانقيين والمناطق الكوردية الاخرى وهذه اظهر القيادة الحالية للنخبة السياسية الكوردية بموقع ضعيف ومهزوز امام الشعب الكوردي
- ظهور قوى سياسية جديدة تتحدى زعامة الحزبين في المنطقة ومن دون اللجؤ الى القوة
- ضغوط شعبية كبيرة لتوسيع مساحة الحرية اليساسية وتفعيل دور الاحزاب والمنظمات المدنية الغير المنظوية تحت تحالف هذين الحزبين
- تنامي الحركة الثقافي في منطقة كوردستان العراق افرز نشؤ حالة تطور على الوعي العام لاغلب شرائح المجتمع الكوردستاني وباتالي افرز حالة رفض بين الشباب للخنوع لسيطرة القوى التقليدية فيها بما فيها الاسلامية
- عودة الكثير من الكفاءت والمهاجرين الى المنطقة مما افرز شريحة قوية تمثل اسس قوية لتنمية وولادة طبقة متوسطه قوية سيكون لها تاثير هام على توازن القوى
- تغيرات سياسية دولية كبيرة حدثت (خروج الجمهوريين ودخول الديمقراطيين في اميركا).
كل هذه الامور هي افرازات المرحلة الحالية وفي ظل هذه المعطيات تقام الانتخابات الحالية ، وهناك ظاهرة اخرى وهي لاول مرة سنرى انتخابات نزيهة وعادلة بالمعنى البرجوازي للعدالة الانتخابية (مع ان الثروة المادية للحزبين الرئيسيين واستغلال السلطات السياسية لحزبيهما هو عائق كبير لانتخابات عادلة ونزيهة !! ) ولاول مرة نتخلص من المناصفة القائمة على التزوير لنواجه التحالف الاعمى لحزبين كل همهما هو البقاء في السلطة وباي ثمن ومهما كانت التضحيات فدخول الاتحاد في تحالف انتخابي مع البارتي كانت نتيجة ضغوطات ظاهرة نوشيروان (بغض النظر عن صدقية ومصداقية طروحات التيار النوشيرواني) وهذه بحد ذاته مكسب سياسي كبير لابناء المنطقة ، واليوم وفي الانتخابات الحالية لنتائج بحد ذاته غير مهمة لان نتائجه قد حصلت فعلاً (تحالف البارتي والاتحاد ، اعلان الرسمي بوجود الفساد وبكل اشكاله ،الاعتراف بوجود نواقص واختراقات ،واخطاء، وانتهاكات حقوق الانسان)كل هذا بحد ذاته نتائج لا تقدر بثمن وكل هذا ليس بسبب القائمة النوشيروانية فقط بل عوامل اخرى لها الفضل باحداث هذه التغيرات ومنها حكومة المالكي وخطواته السياسية الذي احدث ارتباكات مهمة داخل جماهير الحزبين – وخصوصاً حول امتيازات بعض الشرائح الاجتماعية وميزانية الاقليم والعقود النفطية –الاوساط السياسية المقربة من البنتاغون الامريكي والذي بداءو في الاوانة الاخيرة نشر غسيل القيادة الكردية بعد انتفاء الحاجة منهم !! وغموض وضبابية وتخبط سياسة واسترتيجية القيادة الكوردية تجاه حدود الاقليم والمناطق المستقطعة او المغتصبة
باختصار حتى لو لم يفز المعارضة بعدد مهم من المقاعد البرلمانية فالضجة الذي احدثوها كان عميقا الى درجة فانه يحتاج الى انتخابات ثانية حتى نعرف نتائجه الحقيقية والتاريخية .
ريبيين / سيدني/ اوستراليا
2009/07/13


تعليقات